***الطفلة اليتيمة***
لفظت أنفاسها الأخيرة ...وصعدت روحها الطاهرة النقية إلى السماء جوار ربها...ودعت دون إرادتك أماه ...وتركتني الطفلة اليتيمة منذ الوهلة الأولى لولادتي ...منذ الصرخة الأولى للحياة...بكيت مرتين ...لتثبيت تواجدي بمسرحية الحياة ...والثانية بحثا عن دفء افتقدته منذ لحظات ...إنه دفء أغلى أم على البسيطة ...
أكتب هذه الكلمات والعبر الحزينة ، كلما قفز مؤشر ذاكرتي منقبا بين صفحات الماضي باحثا بين سطور سوداوية المعاني ، عن أحزن لحظة في عمري، ثبتها الزمان ومن حولي بمخيلتي بإلحاح كبير مني عبر كل مراحل حياتي،وأنا طفلة صغيرة، ثم يافعة ،وهذه الشابة الماسكة بين أناملها قلما ترغمه أن يقدم عذرا لهذه الإنسانة الطاهرة التي ضحت بحياتها لتعيش ابنتها صاحب القلم *يتيمة حزينة*.
أيها القلم العنيد ... لك أن تلملم جراحي كما وكيف تشاء ...لك أن تندفع كالسهام خارقا أحشائي لتشعرني بالذنب ...فأنت حر في تقييمك للحدث
وأنت يا أيتها الراحلة أمي ...يا أعذب كلمة لم ينعم بترديدها وأنت على قيد الحياة هذا الفم ...رحلت أماه وبرحيلك افتقدت حنان صدك وحنية طبعك...برحيلك أماه لم أعرف طعم حليب ثديك ...برحيلك أماه لم أحض بالنوم بين ذراعيك ولا بملامسة يديك الناعمتين ولا بسخونة وزنتيك ،حين تحط بدفئهما على وجنتي الصغيرتين ،على أنفي وأذني فينتعش كلي ...حرمت من هذا وذاك أماه وتركتني الطفلة اليتيمة الحزينة التي أبكاها القدر مرتين ...
بينما أنا غارقة ببحر تأملاتي هذه، تسرب إلى مخيلتي صوت خلته آت من وراء أصوار المقبرة مرددا يا بنيتي، وما أحلاها من نغمة نداء، واسترسل في الكلام يقول: لفظت أنفاسي منذ الوهلة الأولى لولادتك صغيرتي، بينما خيرت قبلها بشهور من طرف الحكيم فاخترت أن أغامر بحياتي على أن أجهض هذا الحمل لنعيش سويا ، لكن القدر شاء أن يفرق بيننا لحكمة لا يعلمها إلا ربي ، فهو أرحم بنا من أمهاتنا، فنعم الرحيم بنيتي...
ومع ذلك فقد اعتنيت بك خلال كل مراحل الحمل ،عاملتك بلطف وتؤدة، ولم يكن ذلك كافيا،لم يكتب لي النظر إلى وجهك الحليم ، ولا إلى بسمة ثغرك، ولا إلى التلذذ بسماع كلمة* ماما *من فيك الصغير،ولا تقبيل وجنتيك القبلة الأولى كباقي أمهات العالم ، كنت بنيتي كلما وضعت يدي فوق بطني لأتحسس حركاتك وأنت برحيمي أتوق وبشوق عارم إلى لحظة ولادتك رغم أني كنت مدركة خطورتها ...كنت بنيتي وكنت...وكنت لكن القدر شاء ولا مرد لقضاء الله.
أجبت للتو وأكيد أنها تسمعني : اعتنيت بي أماه وغامرت بحياتك لتسعديني ليتك ما ضحيت
يتمني القدر منذ الصرخة الأولى ومازلت حتى هذه اللحظة أشعر بالذنب ليتك ما فعلت
يا أعظم أم آثرت حياة ابنتها وغامرت بحياتها ، رمزا للتضحية والفضيلة ستبقين يا أنت
ويا أروع قصة رددت كلماتها أصوار المدينة العتيقة هي قصتك أنت
ويا أعطر وردة نبتت بعروق مقبرة حزينة هي أنت
خيرت فاخترت المغامرة بحياتك، وتركتني الطفلة اليتمة ، أبكاني القدر مرتين
لكني فخورة بك أكثر... يا حاملة مشعل التضحية والفضيلة... يا أمي ...